كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فكذلك إذا أضاف الله العباد إلى نفسه، فيه دليل على أن يعتقهم من النار {يُقِيمُواْ الصلاة} يعني: يتمونها بركوعها، وسجودها، ومواقيتها، {وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الأموال {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} يعني: سرًا على المتعففين، وعلانية على السائلين {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} يعني: لا فداء فيه {وَلاَ خلال} يعني: لا مخالة تنفعه، وهي الصداقة لأنه إذا نزل بهم شدة في الدنيا، يعادون، ويشفع خليلهم، وليس في الآخرة شيء من ذلك، وإنما هي أعمالهم.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لاَّ بَيْعٌ وَلاَ خلال} بنصب العين واللام.
وقرأ الباقون: بالرفع والتنوين فيهما.
وهذا الاختلاف مثل قوله: {يا أيها الذين ءامنوا أَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شفاعة والكافرون هُمُ الظالمون} [البقرة: 254].
ثم بيّن دلائل وحدانيته فقال تعالى: {الله الذي خَلَقَ السموات والأرض وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} وهو المطر {فَأَخْرَجَ بِهِ} يعني: فأنبت بالمطر {لِتَجْرِىَ في البحر بِأَمْرِهِ} يقول بإذنه {وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ} يعني: دائمين، مطيعين.
يعني: ذلّل لكم ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل {وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر} يعني: لبني آدم، يلتمسون فيها المعيشة، وينتشرون في النهار إلى حوائجهم، وفي الليل مستقرهم ومنامهم، {وَاتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} يعني: أعطاكم من كل شيء لم تحسنوا أن تسألوا، فأعطيتكم برحمتي.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة أنه قال: لم تسألوه بكل الذي أعطاكم.
وقال معمر والحسن: آتاكم من كل الذي سألتموه.
قال مجاهد: كل ما رغبتم إليه، قرأ بعضهم {مِن كُلّ} بالتنوين يعني: أعطاكم من كل شيء.
ثم قال: {مَا سَأَلْتُمُوهُ} يعني: لم تسألوه، ولا طلبتموه، ولكن أعطيتكم برحمتي.
يعني: ما ذكر مما سُخِّر للناس في هذه الآيات.
وقرءاة العامة {مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} من غير تنوين على معنى الإضافة.
يعني: من جميع ما سألتموه.
ثم قال: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} يعني: لا تقدروا على أداء شكرها.
ويقال: {تُحْصُوهَا} يعني: لا تحفظوها {إِنَّ الإنسان} يعني: الكافر {لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} يعني: يظلم نفسه بالكفر بنعم الله تعالى.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبّ اجعل هذا البلد امِنًا} يعني: مكة آمنًا من القتل والغارة.
ويقال: من الجذام والبرص {واجنبنى وَبَنِىَّ} وذلك أن إبراهيم لما فرغ من بناء البيت، سأل ربه أن يجعل البلد آمنًا، وخاف على بنيه.
لأنه رأى القوم يعبدون الأصنام، والأوثان.
فسأل ربه أن يجنبهم عن عبادة الأوثان فقال: {واجنبنى وَبَنِىَّ} يقول: احفظني وبنيّ {أَن نَّعْبُدَ الاصنام} يعني: لكي لا نعبد، وفيه دليل أن المؤمن لا ينبغي له أن يأمن على إيمانه، وينبغي أن يكون متضرعًا إلى الله.
ليثبّته على الإيمان، كما سأله إبراهيم لنفسه ولبنيه بهذا الإسلام.
وأخاف أن تنزعه مني فما دام هذا الخوف معي، رجوت ألا تنزعه مني.
ثم قال: {رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} يقول: بهن ضلّ كثير من الناس.
فكأن الأصنام سبب لضلالتهم.
فنسب الإضلال إليهن، وإن لم يكن منهن عمل في الحقيقة.
وقال بعضهم: كان الإضلال منهن، لأن الشياطين كانت تدخل أجواف الأصنام، وتتكلم، فذلك الإضلال منهن.
ثم قال: {فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى} يعني: من آمن بي فهو معي على ديني.
ويقال: فهو من أمتي {وَمَنْ عَصَانِى} يعني: لم يطعني، ولم يوحدك {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن تاب.
ثم قال تعالى: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى} يعني: أنزلت بعض ذريتي، وهو إسماعيل عليه السلام {بِوَادٍ غَيْرِ ذي زَرْعٍ} يعني: بأرض مكة، وذلك أن لسارة كانت جارية يقال لها: هاجر، فوهبتها من إبراهيم، فولدت منه إسماعيل، فغارت سارة، وناشدته أن يخرجها من أرض الشام، فأخرجهما إبراهيم عليه السلام إلى أرض مكة، ثم رجع إلى سارة.
فلما كبر إسماعيل، رجع إبراهيم إليه، وبنى معه البيت.
فذلك قوله: {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذي زَرْعٍ} يعني: بأرض ليس فيها زرع {عِندَ بَيْتِكَ المحرم} يعني: حرم فيه القتال والاصطياد، وأن يدخل فيه أحد بغير إحرام وغير ذلك، {رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ} يعني: ليتموا الصلاة، وإنما ذكر الصلاة خاصة، لأنها أولى العبادات وأفضلها {فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ} يعني: تشتاق إليهم.
قال مجاهد: لو قال إبراهيم: أفئدة الناس لزاحمتكم الروم وفارس.
ولكنه قال: {أَفْئِدَةً مّنَ الناس} وقال سعيد بن جبير: لو قال إبراهيم أفئدة الناس لحجت اليهود والنصارى، ولكن قال: {أَفْئِدَةً مّنَ الناس} {وارزقهم} يعني: أطعمهم {مّنَ الثمرات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} يعني: لكي يشكروا.
ثم قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى} من الوجد بإسماعيل، وهاجر، والحب لهما، {وَمَا نُعْلِنُ} عند سارة من الصبر عنهما {وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَىْء} يعني: لا يذهب على الله شيء {فِي الأرض وَلاَ في السماء} يعني: من عمل أهل السماء وأهل الأرض.
قال بعضهم: هذا كلام إبراهيم.
وقال بعضهم: هذا كلام الله تعالى والله أعلم بالصواب.
ثم رجع إلى كلام إبراهيم فقال: {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِى عَلَى الكبر} يعني: بعد الكبر، وهو ابن تسع وتسعين سنة في رواية الكلبي، وفي رواية الضحاك: ابن مائة وعشرين سنة.
{إسماعيل وإسحاق} وكان إسماعيل أكبرهما بثلاث عشرة سنة {إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدعاء} يعني: لمجيب الدعاء.
قوله تعالى: {رَبّ اجعلنى مُقِيمَ الصلاة} يعني: أكرمني بإتمام الصلاة {وَمِن ذُرّيَتِى} يعني: فأكرمهم أيضًا لإتمام الصلاة {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} أي: استجب دعائي.
ويقال: معناه تقبل عملي.
واستجب دعائي {رَبَّنَا اغفر لِى وَلِوَالِدَىَّ} قرأ بعضهم: {ولوالدتي}.
لأن أمه كانت مسلمة.
وقرأ بعضهم: {ولوَلَدَيّ} يعني: إسماعيل وإسحاق، وقراءة العامة {لِى وَلِوَالِدَىَّ} لأنه كان يستغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه {وَلِلْمُؤْمِنِينَ} يعني: اغفر لجميع المؤمنين {يَوْمَ يَقُومُ الحساب} يعني: يوم القيامة.
قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون} قرأ عاصم، وحمزة، وابن عامر، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ} بنصب السين.
وقرأ الباقون: بالكسر، ومعناهما واحد.
يعني: لا تظن يا محمد أن الله غافل عما يعمل الظالمون.
يعني: المشركون.
يعني: إن أعمالهم لا تخفى على الله، ولو شئت لعجلت عقوبتهم في الدنيا.
قال ميمون بن مهران إن هذه الآية تعزية للمظلوم، ووعيد الظالم {إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ} يعني: يمهلهم، ويؤجلهم.
قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين {نُؤخِرهُمْ} بالنون وقرأ الباقون: بالياء.
{يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الابصار} يعني: تذهب فيه أبصار الكافرين.
وذلك حين عاينوا النار تشخص أبصارهم.
قوله: {مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين يقال: أهطع البعير في السير.
إذا أسرع.
ويقال: {مُهْطِعِينَ} أي ناظرين، قاصدين نحو الداعي.
وقال قتادة: يعني: مسرعين {مُقْنِعِى رُؤُوسَهُمْ} المقنع الذي يرفع رأسه، شاخصًا بصره، لا يطرق.
وقال مجاهد: {مُهْطِعِينَ} مديمي النظر، {مُقْنِعِى رُؤُوسَهُمْ}، رافعيها.
وقال الخليل بن أحمد: المهطع الذي قد أقبل إلى الشيء ينظره، ولا يرفع عينه عنه {مُقْنِعِى} يعني: رافعي رؤوسهم، مادي أعناقهم {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} يعني: لا يرجع إلى الكفار بصرهم {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} يعني: خالية من كل خير.
كالهواء ما بين السماء والأرض.
وقال السدي: {وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ} بين موضعها، وبين الحنجرة.
فلم ترجع إلى موضعها.
ولم تخرج كقوله: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازفة إِذِ القلوب لَدَى الحناجر كاظمين مَا للظالمين مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] وهكذا قال مقاتل، وقال أبو عبيدة، هواء أي مجوفة لا عقول فيها.
ثم قال: {وَأَنذِرِ الناس} يعني: خوف أهل مكة {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب} في الآخرة.
قوله تعالى: {فَيَقُولُ الذين ظَلَمُواْ} يعني: أشركوا {رَبَّنَا أَخّرْنَا} أي: أجلنا {إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} لنرجع إلى الدنيا {نُّجِبْ دَعْوَتَكَ} يعني: الإسلام {وَنَتَّبِعِ الرسل} على دينهم.
يقول الله تعالى: {أَوَ لَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ} يقول: حلَفْتُم، وأنتم في الدنيا من قبل هذا اليوم {مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ} أي: لا تزولون عن الدنيا، ولا تبعثون.
قوله تعالى: {وَسَكَنتُمْ} يعني: نزلتم {فِى مساكن الذين ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} يعني: منازل قوم عاد وثمود {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} يقول: كيف عاقبناهم عند التكذيب {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الامثال} يقول: بيّنا، ووصفنا لكم عصيانهم، وجحودهم، والعذاب الذي نزل بهم.
يعني: إنكم سمعتم هذا كله في الدنيا، فلم تعتبروا.
فلو رجعتم بعد هذا اليوم، لا تنفعكم الموعظة أيضًا.
ثم قال تعالى: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ} يعني: صنعوا صنيعهم.
يعني: الأمم الخالية {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} يعني: علم الله مكرهم، ولا يخفى عليه، قال علي بن أبي طالب: {وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ} التابوت، والنسور، وهم نمرود بن كنعان وقومه.
وروى وكيع بإسناده عن عليّ رضي الله عنه قال: إن جبارًا من الجبابرة قال: لا انتهي حتى أعلم ما في السماء، فاتخذ أفراخ نسور، ثم أمر بها، فأطعمت اللحم حتى اشتدت، وغلظت، واستفحلت، فاتخذ تابوتًا يسع فيه رجلان، ثم أمر بالنسور، فجوعت، ثم ربط أرجلها بالأوتاد، وشدت بقوائم التابوت، وجعل في وسط التابوت اللحم، ثم جلس في التابوت، هو ورجل معه، ثم أرسل النسور، وجعل اللحم على رأس خشبة على التابوت، فطارت النسور إلى السماء ما شاء الله.
ثم قال لصاحبه انظر ماذا ترى؟ فنظر فقال: أرى الجبال كأنها الدخان.
ثم سار ما شاء الله.
ثم قال: انظر فنظر، فقال: ما أرى إلا السماء، وما نزداد منها إلا بعدًا.
قال: نكس الخشبة، فانقضت النسور، حتى سقطت إلى الأرض، فسمع هزة الجبال، فكادت الجبال أن تزول من أماكنها.
ثم قرأ عليّ رضي الله عنه {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} أي: وقد كان مكرهم ليزيل الجبال عن أماكنها.
ويقال: إن نمرود بن كنعان هو أول من تجبر، وقهر، وسن سنن السوء، وأول من لبس التاج، فأهلكه الله تعالى ببعوضة في خياشمه، فعذب بها أربعين يومًا ثم مات.
وقال قتادة: {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} يعني: الكفار ادعوا لله تعالى ولدًا.
فكاد أن تزول الجبال.
ويقال: يعني: أهل مكة مكروا في دار الندوة، وقد كاد مكرهم أن يزول منهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر دين الإسلام.
إذ ثبوته كثبوت الجبال، لأن الله تعالى وعد لنبيه صلى الله عليه وسلم إظهار دين الإسلام بدليل ما قال بعد هذا {فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} قرأ الكسائي {لِتَزُولَ} بنصب اللام الأُولى، ورفع الثانية.
وقرأ الباقون: بكسر الأُولى، ونصب الثانية {لِتَزُولَ} ومعناه: ما كان مكرهم ليزول به أمر دين الإسلام، إذ ثبوته كثبوت الجبال.
ومن قرأ {لَيَزُولُ} فمعناه: وإن كان مكر الكفار ليبلغ إلى إزالة الجبال، فإن الله ينصر دينه.
وروي عن ابن مسعود أن قرأ {وَإِن كَادُواْ مَكْرِهِمْ} قوله تعالى: {فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} يعني: في نزول العذاب بكفار مكة، إن شاء عجل لهم العقوبة في الدنيا.
{إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام} ذو النقم من الكفار.
قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض} قال عليّ بن أبي طالب يعني: غير هذه الأرض التي عليها بنو آدم، أرض بيضاء نقية لم يعمل فيها بالمعاصي، ولا سفك عليها الدماء.
وهكذا قال ابن مسعود.
قال: حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا أبو يعقوب.
قال: حدثنا محمد بن يونس العامري.
قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم.
قال: حدثنا القاسم بن الفضل عن الحسن عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تذكرون أهاليكم يوم القيامة؟ قال: «أَمَّا عِنْدَ مَوَاطِنَ ثَلاَثَةٍ فَلاَ: عِنْدَ الصِّرَاطِ، والكِتَابِ، والمِيزَانِ».
قالت: قلت: ألم يقل الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض} أي: الناس يومئذٍ؟ قال: «سَأَلْتِنِي عَنْ شَيءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكِ».
فقال: «النَّاسُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الصِّرَاطِ».
وروي عن ابن عباس أنه قال: تمد الأرض مد الأديم، ويزاد في سعتها.
ثم قال: {والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ} يعني: خرجوا من قبورهم، وظهروا {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} لخلقه.
قوله تعالى: {وَتَرَى المجرمين} يعني: المشركين {يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ} مسلسلين {فِى الاصفاد} يعني: في الأغلال، يقرن كل كافر مع شيطان {سَرَابِيلُهُم} يعني: قمصهم {مّن قَطِرَانٍ} قال قتادة: هو النحاس المذاب.
وقال الحسن البصري: {قَطِرَانٍ} الإبل الآنك.
وقال عكرمة: هو القطران الذي يطلى به الأشياء، حتى يشتعل نارًا.
وقال الضحاك: من صفر حار قد انتهى حّره.
وقال القتبي: {مُقْرِنِينَ} أي: قرن بعضهم إلى بعض في الأغلال.
وروي عن أبي هريرة أنه كان يقرأ من {قَطِرَانٍ}.
يقول: القطر النحاس والآنك الذي انتهى حره.
ثم قال تعالى: {وتغشى وُجُوهَهُمْ النار} يعني: تعلو لوجوههم النار، لا يمتنعون منها.
قوله تعالى: {لِيَجْزِىَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} من خير أو شر {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} إذا حاسب، فحسابه سريع.
قوله: {هذا بلاغ لّلنَّاسِ} يعني: هذا القرآن إرسال وبيان من الله تعالى.
ويقال: أبلغكم عن الله تعالى.
{وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} يعني: ليخوفوا بالقرآن عن معصية الله تعالى: {وَلِيَعْلَمُواْ} يعني: لكي يعلموا {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} صادق {وَلِيَذَّكَّرَ} أي ليتعظ بما أنزل من التخويف في القرآن {أُوْلُو الألباب} يعني: ذوو العقول من الناس. والله أعلم بالصواب. اهـ.